عبقرية الأمير عبد القادر في التصنيع الحربي وبناء قاعدة صناعية للمقاومة الجزائرية
يُعدّ الأمير عبد القادر الجزائري من أبرز القادة الذين جمعوا بين القيادة العسكرية والرؤية التنظيمية، حيث أدرك منذ بداية مقاومته للاحتلال الفرنسي أن السلاح المحلي هو أساس الاستقلال العسكري. لهذا اتجه إلى بناء قاعدة صناعية حربية تمكّن دولته من الصمود.
أولاً: الضرورة الإستراتيجية للتصنيع المحلي
مع اشتداد المواجهات ضد جيش فرنسي يملك تفوقاً تقنياً واضحاً، كان لابد للأمير من إيجاد حل يضمن استمرار تسليح قواته بعيداً عن الغنائم أو الاستيراد الذي قد يتوقف في أي وقت. لذلك قرر إنشاء ورش ومصانع لإنتاج البارود والبنادق والرماح، بهدف تسليح “الجيش المحمدي” الذي شكّله ونظّمه ليكون قوة نظامية قادرة على مواجهة العدو.
ثانيًا: المواقع الإستراتيجية لمصانع الأمير
لم يكن اختيار مواقع المصانع اعتباطياً، بل جاء وفق تخطيط يعتمد على الموارد الطبيعية والأماكن الآمنة نسبياً لضمان استمرارية الإنتاج.

مليانة (عين الدفلى): مصنع الأسلحة الرئيسي
أنشأ الأمير سنة 1839 أول وأهم مصنع للأسلحة في مدينة مليانة، مستفيداً من خام الحديد المستخرج من جبل زكار. وقد لعب المصنع دوراً حيوياً في إمداد المقاومة بالسلاح، وساهم في تأخير سقوط المنطقة لسنوات، كما تحوّل مبناه اليوم إلى متحف تاريخي.
تاقدمت والمعسكر والمدية: مراكز إنتاج البارود
ركز الأمير على إنتاج البارود بشكل واسع، فجعل تاقدمت عاصمته مركزاً رئيسياً لذلك، إلى جانب مدينتي المعسكر والمدية اللتين احتضنتا ورشاً أخرى مكملة. كما أنشأ مسابك في تاقدمت ومليانة لصناعة القذائف والمدفعية.
حصن تازا: قلعة ومنشأة لوجستية
لم يكتفِ الأمير بالمصانع فقط، بل بنى أيضاً حصوناً استراتيجية، من أهمها حصن تازا بولاية تيسمسيلت الحالية، والذي استخدم لتخزين المؤن والسلاح وتحصين خطوط المقاومة.
ثالثًا: الاستعانة بالخبرات الأجنبية
تميز الأمير عبد القادر بمرونة فكرية مكّنته من الاستفادة من خبرات أجنبية متعددة، حيث استقدم مهندسين من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا للإشراف على عمليات التصنيع وتدريب العمال الجزائريين، ما ساهم في تطوير قدرات الدولة التقنية.
خاتمة
تمثل مصانع الأسلحة والبارود التي أنشأها الأمير عبد القادر إنجازاً بارزاً يعكس إدراكه العميق لأهمية التصنيع كقاعدة للسيادة والمقاومة. فقد استطاع بفضل رؤيته أن يؤسس صناعة حربية محلية ساعدت على استمرار المقاومة الجزائرية وخلّدت اسمه كأحد أعظم بناة الدولة في التاريخ الجزائري.



