مقلات

بين الحبر والدم

وثيقة فرنسية تفضح وحشية الاستعمار في الجزائر

20 أوت 1956
المنطقة العسكرية العاشرة – الجزائر

مقدمة

تحصّلتُ مؤخرًا على وثيقة فرنسية سرّية من أحد الإخوة الباحثين في التاريخ الوطني، وهي وثيقة نادرة وخطيرة تكشف لنا، دون رتوش أو تزييف، وجه الاستعمار الفرنسي البشع في الجزائر. ليست مجرد أوامر عسكرية، بل اعتراف صريح بسياسة الأرض المحروقة، حيث يتحوّل الإنسان إلى هدف، والأرض إلى ميدان تجارب للقنابل.

ما هي “المنطقة المحظورة”؟

في هذه الوثيقة، تصنّف القيادة العسكرية الفرنسية منطقة بني ميابار (بني مسرة) على أنها “Zone interdite”، أي منطقة محظورة. وهذا التصنيف يعني منع أي تواجد بشري فيها، واعتبار كل من يظهر هدفًا مشروعًا للهجوم.

“يُسمح باستخدام جميع وسائل النيران الجوية والبرية (طيران ومدفعية) ضد أي شخص أو مسكن يُشتبه بوجوده في هذه المنطقة.”
— من الوثيقة الرسمية

تعليمات بالقتل دون إنذار

– تسمح الوثيقة للطيران الفرنسي بـإطلاق النار على كل كائن حي يظهر أو يتحرك داخل المنطقة، دون أي تحذير أو تأكد من الهوية.
– تُستخدم هذه المنطقة أيضًا كـميدان تدريب حي للطيران، تُسقط فيه القنابل والصواريخ على أهداف حقيقية أو افتراضية، في مشهد أقرب إلى أفلام الرعب.

التدمير المُمنهج للمساكن

  • تنص التعليمات على قصف كل منزل تظهر عليه آثار سكن مؤقت أو دائم (مثل الدخان أو الحركة أو النار)، حتى دون التأكد من وجود مسلحين داخله.
  • تُستثنى فقط بعض الأكواخ الصغيرة المُشيّدة في أعالي الجبال والمخصصة للمراقبة، لكن دون ضمان عدم استهدافها.

الشاهد على الجريمة: توقيع الجنرال الفرنسي

في نهاية الوثيقة، يظهر توقيع الجنرال “مانسو ديميو”، القائد الأعلى للمنطقة العسكرية في الجزائر آنذاك، إلى جانب توقيع القائد الجوي “فالنتان”. وهو ما يُثبت أن هذه السياسة الوحشية لم تكن تصرفات فردية، بل قرارًا مركزيًا وممنهجًا على أعلى مستوى.

ماذا تعني هذه الوثيقة اليوم؟

هذه الورقة الصفراء، التي طواها الزمن، تحمل في طيّاتها صرخة شعب عاش ويلات الحرب، القمع، والإبادة الجماعية. إنها تذكرة دامغة بأن الاستعمار لم يكن “تمدينًا”، بل جريمة ضد الإنسانية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

لقد قدّم الشعب الجزائري في سبيل حريته أرواحًا وقرى وأجيالًا. والحرية التي ننعم بها اليوم، لم تكن منحة، بل مهرها دماء الشهداء.

خلاصة

توثيق مثل هذه الوثائق ونشرها هو عمل نضالي بحد ذاته، لأنها تُعيد للأجيال الجديدة الذاكرة الحية، وتُسقط الأقنعة عن وجوه تزيّنت بـ”الحضارة” و”التمدين”، وهي تحمل في قلبها قنابل وصواريخ.

فلنتذكّر…
أن من لا يملك ذاكرة، لا يملك مستقبلًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى