رجال الاميرمقلات

محمد البوحميدي الولهاصي

محمد البوحميدي الولهاصي… القائد العسكري الذي صنع أمجاد المقاومة الجزائرية وسقط شهيداً بالغدر

مقدمة

يُعدّ محمد البوحميدي الولهاصي (1803–1847) أحد أبرز القادة العسكريين في تاريخ المقاومة الجزائرية. فهو فارسٌ مهاب، وقائدٌ محنّك، ورجلٌ جمع بين الشجاعة والانضباط والرؤية العسكرية البعيدة. وعلى الرغم من أن اسمه لا يحظى بالانتشار الذي يستحقه، إلا أنّ الأثر الذي تركه في المعارك الحاسمة لجبهة الغرب الجزائري يجعل منه أحد أعمدة مشروع الدولة الجزائرية التي أسسها الأمير عبد القادر.

النشأة والارتباط المبكر بالأمير عبد القادر

صورة محمد البوحميدي الولهاصي قائد المقاومة في الغرب الجزائري

ينتمي البوحميدي إلى قبيلة ولهاصة القريبة من جبال الترارة، وهي قبيلة عُرفت تاريخياً بالصلابة والفروسية. ارتبط في شبابه بالشيخ محي الدين والد الأمير عبد القادر، ودرس رفقة الأمير في القيطنة، وهو ما أسس لعلاقة ثقة متينة بينهما امتدت لسنوات طويلة.

ومع تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة وتنصيب الأمير قائداً لها، اختار رفيقه القديم وأحد أقرب رجاله ليكون خليفة على الغرب الجزائري، وجعل من مدينة تلمسان مركزاً لقيادته.

تنظيم إداري محكم وبناء مؤسساتي قوي

أشرف البوحميدي على إنشاء نظام إداري وعسكري متماسك في الغرب الجزائري، حيث قسّم المنطقة إلى خمس مقاطعات كبرى، وكل واحدة تحت قيادة أغا أو قائد ذي نفوذ محلي. وقد اعتمد في جيشه وإدارته على رجال قبائل ولهاصة الذين كان يضع فيهم ثقته المطلقة، فشكّل بذلك بنية صلبة لإدارة الجبهة الغربية.

قائد بفروسية استثنائية يعترف بها الخصم قبل الصديق

يروي الضابط الفرنسي ليون روش في كتاباته أنّ البوحميدي “من أفضل فرسان الجزائر”، وأنه يجيد السيف والبارود بمهارة كبيرة، ويمتاز بالنشاط والانضباط وسرعة القرار. وهي شهادة من خصم أدرك حجم القوة التي كان يمثلها هذا القائد.

كان البوحميدي قائداً ميدانياً من الطراز الرفيع، لا يترك خطوط القتال، ويقود جنوده بنفسه في المواقع الأكثر اشتعالاً.

المعارك الكبرى التي صنع فيها البوحميدي التاريخ

معركة المقطع (1835)

شارك البوحميدي كقائد ثانٍ بعد الأمير في هذه المعركة المفصلية التي انتصرت فيها المقاومة على جيش الجنرال تريزيل. وقد مكّن التخطيط المحكم من إلحاق خسائر كبيرة بالفرنسيين وإجبارهم على الانسحاب.

معركة سيدي يعقوب

قاد البوحميدي القوات التي انتصرت على الجنرال دارلانج، وهو انتصار مهم رفع معنويات المقاومة وزاد من هشاشة النفوذ الفرنسي في غرب البلاد.

معارك وادي التافنة

خاض سلسلة مواجهات شرسة مع قوات الجنرال بيجو، وكانت نتائجها أساساً لنجاح المقاومة في فرض هدنة التافنة التي اعتُبرت مكسباً سياسياً وعسكرياً مهماً.

معركة سيدي براهيم (1845)

يُعدّ البوحميدي القائد الفعلي لهذه المعركة الشهيرة التي انتهت بإبادة الحامية الفرنسية بقيادة العقيد لوسيان دو مونتانياك. وهي واحدة من أكبر الهزائم الميدانية التي مُني بها الجيش الفرنسي في الجزائر خلال القرن التاسع عشر.

قائد وفيّ للأمير حتى آخر لحظة

ظل البوحميدي وفياً للأمير عبد القادر في أصعب المواقف، وشارك إلى جانبه في جميع الحملات والمعارك الكبرى. وكان الأمير يثق به ثقة كبيرة، ويعتبره من أقرب رجاله وأكثرهم إخلاصاً.

وعندما حان وقت المهمة الصعبة، اختاره الأمير دون غيره لإيفاده إلى سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن بهدف طلب المساعدة وتخفيف الضغط العسكري الفرنسي.

المهمة الأخيرة… والغياب الموجع

وصل البوحميدي إلى المغرب في نوفمبر 1847، لكنّ السلطان أمر باعتقاله فوراً، ثم تعرض للتسميم كما تذكر عدة مصادر تاريخية، ليلقى حتفه بعيداً عن وطنه وأهله وجبهاته.

وعند رحيله، رثاه الأمير عبد القادر بكلمات دامية تُظهر حجم مكانته لديه، ومنها قوله:

فلذت يوم البين جيد مودعي
درراً نظمت عقودها من أدمعي

إرث قائد عظيم لم يُنصفه التوثيق

ترك البوحميدي إرثاً ضخماً في تاريخ الجزائر الحديثة:

  • قائد للمعارك الحاسمة
  • مهندس انتصارات الغرب الجزائري
  • ذراع الأمير العسكري الأقوى
  • رجل تنظيم وإدارة
  • فارس من الطراز النادر
  • شهيد سقط ضحية الغدر

وبرغم مكانته المحورية، لا يزال اسمه بحاجة إلى المزيد من التوثيق والبحث والاعتراف الرسمي بما قدّمه للجزائر.

خاتمة

نّ سيرة محمد البوحميدي الولهاصي ليست مجرد صفحة من صفحات التاريخ، بل هي شهادة على رجل كان عماداً للمقاومة الجزائرية، وركناً من أركان الدولة التي حاول الأمير عبد القادر تأسيسها. هو قائد لم يأخذ نصيبه من الضوء، لكنه ترك أثراً لا يُمحى في معارك صنعت مجد الجزائر وبطولتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى