عندما تنتهك فرنسا عهودها

عندما تنتهك فرنسا عهودها: قصة أسر الأمير عبد القادر
لم يكن احتلال فرنسا للجزائر عام 1830 مجرد صدفة تاريخية أو رد فعل على حادثة عابرة، بل كان نتيجة مخطط استعماري قديم تبلور في أذهان القادة الأوروبيين منذ القرن السادس عشر. وتحت شعارات “نشر الحضارة” و”تأديب الداي”، أخفت فرنسا أطماعها الحقيقية في إيجاد مستعمرة تعوضها عن خسائرها في كندا وتمنحها موطئ قدم في شمال إفريقيا.
في خضم هذا الواقع المرير، برز الأمير عبد القادر كقائد للمقاومة الشعبية، حاملاً على عاتقه بيعة شعبية منحته الشرعية للدفاع عن وطنه. وعلى مدى خمسة عشر عاماً، قاد معارك بطولية ضد المستعمر الفرنسي، مؤسساً دولة حديثة في ظروف بالغة التعقيد.
لكن المأساة الحقيقية تجلت عندما أخلت فرنسا بتعهداتها تجاه الأمير بعد توقف القتال. فبدلاً من الالتزام باتفاقية وقف القتال التي تضمنت السماح له بالهجرة إلى المشرق العربي، حولت الباخرة التي تقله إلى المعتقلات الفرنسية، متنكرة لكل القيم والمبادئ التي تدعي حمايتها.
وكما تؤكد الباحثة الزهرة بقبق، تحولت القصور الفرنسية إلى سجون لرجل لم يرتكب جرماً سوى الدفاع عن أرضه وشعبه. وبذلك ضربت فرنسا بمبادئ ثورتها عرض الحائط، مفضلة المصالح السياسية الضيقة على القيم الإنسانية والأخلاقية.
يبقى أسر الأمير عبد القادر شاهداً على التناقض الصارخ بين شعارات “الحضارة” التي رفعتها فرنسا وممارساتها الاستعمارية الوحشية، وتذكيراً بأن العدالة لا يمكن أن تتحقق في ظل الاحتلال والاستعمار.
تناولت العديد من الدراسات التاريخية والأكاديمية قصة خيانة فرنسا للأمير عبد القادر. من أبرز هذه الدراسات:
- دراسة المؤرخ الفرنسي برونو إتيين حول “معاهدة السلام وخيانة الوعود”، حيث وثق تفاصيل الاتفاق بين الأمير والسلطات الفرنسية وكيف تم نقضه.
- كتاب “الأمير عبد القادر” للمؤرخ الجزائري يحيى بوعزيز، الذي خصص فصلاً كاملاً لتحليل وثائق المفاوضات وظروف الأسر.
- أطروحة شارل هنري تشرشل البريطاني الذي عاصر الأحداث وكتب عن تفاصيل الخيانة الفرنسية في كتابه “حياة الأمير عبد القادر”.
- دراسات المؤرخة الفرنسية أنيت بيكر التي كشفت عن وثائق في الأرشيف الفرنسي تؤكد تورط الحكومة الفرنسية في التخطيط المسبق لخيانة الاتفاق.
- كتاب “الأمير في المنفى” لأحمد توفيق المدني، الذي يوثق مراسلات الأمير مع السلطات الفرنسية أثناء فترة أسره.
تجمع هذه الدراسات على عدة نقاط رئيسية:
- وجود اتفاق مكتوب وموثق بين الطرفين
- تعمد السلطات الفرنسية نقض الاتفاق
- المعاملة غير الإنسانية للأمير وعائلته في الأسر
- تجاهل فرنسا للاحتجاجات الدولية على خرق المعاهدة
- استمرار السلطات الفرنسية في إنكار هذه الخيانة التاريخية حتى وقت قريب


