عبد القادر.. بين حقيقة التاريخ وأوهام الادعاء

في دهاليز التاريخ تتناثر أوراق كثيرة، منها ما يحمل عبق الحقيقة، ومنها ما يحمل غبار الأوهام. وفي قصة الأمير عبد القادر مع المحافل الماسونية، نجد أنفسنا أمام ادعاءات تتهاوى أمام صرح الحقيقة الشامخ، كأوراق الخريف أمام رياح الواقع العاتية.
كيف لفارس الإسلام، وحامل لواء الجهاد، ومجدد الدين في بلاد المغرب، أن يكون منتسباً لمحافل تتعارض في جوهرها مع عقيدته الراسخة وإيمانه العميق؟ إن من يتأمل في سيرة الأمير يجد نفسه أمام شخصية فذة جمعت بين العلم الشرعي العميق والجهاد في سبيل الله، فكان عالماً مجاهداً، وقائداً روحياً، وزعيماً سياسياً.
لقد عاش الأمير حياة حافلة بالمواقف المشرفة، وترك لنا تراثاً فكرياً وأدبياً يشهد على عمق إيمانه وصفاء عقيدته. في كتاباته ورسائله ومؤلفاته، نجد روحاً إسلامية صافية لم تتعكر بشوائب الأفكار الدخيلة. فكيف يُعقل أن يكون منتمياً لمحافل سرية دون أن يظهر لذلك أثر في كتاباته أو مواقفه؟
إن الادعاءات التي تربط الأمير بالماسونية لا تعدو كونها محاولات متأخرة زمنياً، تفتقر إلى الأدلة الدامغة والوثائق الأصيلة. هي أشبه بقصص تُنسج خيوطها من أوهام المدعين، وتُزين بزخارف الظنون والتخمينات. فأين الوثائق الموقعة بيده؟ وأين شهادته الشخصية؟ وأين الإشارات في مذكراته وكتاباته؟
نعم، كان الأمير منفتحاً على الحضارات الأخرى، متسامحاً مع أتباع الديانات المختلفة، لكن انفتاحه كان نابعاً من ثقته بعقيدته وتمسكه بدينه. كان يحاور الآخر من موقع القوة الإيمانية، لا من موقع التبعية الفكرية.
إن محاولة إلصاق تهمة الانتماء الماسوني بالأمير عبد القادر تشبه محاولة إلصاق الظل بالنور – مستحيلة في جوهرها، متناقضة في منطقها. فالأمير كان نوراً مشعاً في سماء الأمة، يستمد ضياءه من نور الإسلام، ويستقي فكره من معين القرآن والسنة.
لذا، فإن الحقيقة التاريخية تقف شامخة في وجه هذه الادعاءات، مدعومة بسيرة الأمير العطرة، وتراثه الفكري الأصيل، وجهاده المشرف. وستبقى صورته في ذاكرة الأمة صورة المجاهد العالم، والقائد الرباني، الذي وهب حياته لخدمة دينه وأمته، بعيداً عن شبهات المشككين وادعاءات المغرضين.



