أسباب غزو فرنسا للجزائر

عائلتا بكري وبوشناق

عائلتا بكري وبوشناق ودورهما في سياق الاحتلال الفرنسي للجزائر (1800–1830)

مقدمة

يُعدّ موضوع الديون الجزائرية على فرنسا في مطلع القرن التاسع عشر أحد أهم العوامل التي استغلتها فرنسا لاحقًا لتبرير غزوها للجزائر سنة 1830. وفي قلب هذه الأزمة المالية برزت عائلتا بكري وبوشناق، كأبرز الوسطاء التجاريين بين الجزائر وفرنسا في فترة حكم الدايات. وتكتسب دراستهما أهمية خاصة نظرًا للجدل التاريخي الكبير حول حجم تأثيرهما في الأحداث التي سبقت الاحتلال، ودورهما في خلق شبكة مالية وسياسية معقّدة استثمرتها فرنسا لصالح مشروعها الاستعماري.

أولًا: صعود عائلتي بكري وبوشناق في الجزائر العثمانية

1. الخلفية الاجتماعية والمكانة الاقتصادية

تنتمي عائلتا بكري وبوشناق إلى الطائفة اليهودية الجزائرية، وقد أصبحتا منذ القرن الثامن عشر من أبرز الفاعلين الاقتصاديين في العاصمة الجزائر. اعتمدتا في نفوذهما على:

  • علاقات مباشرة مع دايات الجزائر
  • خبرة في التعامل مع التجار الأوروبيين
  • القدرة على تمويل صفقات كبرى وتمريرها قانونيًا ودبلوماسيًا

ومع بداية القرن التاسع عشر، احتكرتا جانبًا مهمًا من تجارة القمح والحبوب، ما جعلهما وسيطتين أساسيتين بين الجزائر وفرنسا خلال مرحلة حساسة في تاريخ المتوسط.

2. دورهما في التجارة الفرنسية-الجزائرية

في ظل الحروب النابليونية (1792–1815)، احتاجت فرنسا بشدة إلى القمح لإطعام جيوشها. وكانت عائلتا بكري وبوشناق هما المكلّفتين بتوريد هذه السلع نيابة عن الداي. وقد سهّلتا حصول فرنسا على كميات ضخمة من المواد الغذائية، مقابل ديون تُسدَّد لاحقًا.

أدّت هذه العمليات إلى تراكم دين كبير على الحكومة الفرنسية، اعتُبر بداية الأزمة.

ثانيًا: أزمة الدين وتأثيرها السياسي

1. حجم الدين الفرنسي للجزائر

تقدّر الوثائق الدبلوماسية والمدونات التاريخية حجم الدين الفرنسي للجزائر ما بين 7 و8 ملايين فرنك، وهو مبلغ ضخم بمقاييس تلك الفترة. وكانت الديون متعلقة أساسًا بتمويل شحنات القمح التي أُرسلت إلى فرنسا عبر عائلتي بكري وبوشناق.

2. توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا

مع نهاية الحروب النابليونية، بدأت فرنسا تماطل في تسديد الدين. وقد فسّر الداي حسين هذه المماطلة باعتبارها:

  • انتقاصًا من سيادة الجزائر
  • تهرّبًا دبلوماسيًا
  • وإساءة مباشرة للدولة الجزائرية

كان الدايات يعوّلون على هذه الأموال لتسيير شؤون الدولة البحرية والعسكرية. ومع استمرار التأجيل، بدأ الصراع يتخذ طابعًا سياسيًا.

3. موقع عائلتي بكري وبوشناق في الأزمة

اتهم الدايات العائلتين لاحقًا بمحاولة التلاعب في الحسابات، وبتضخيم بعض الفواتير، وبالانحياز لفرنسا—وهي تهم ظلّت موضوع نقاش تاريخي كبير.
لكن المؤكد تاريخيًا أنّ العائلتين أصبحتا حلقة أساسية في شبكة الدين التي ربطت فرنسا بالجزائر، مما وضعهما في قلب التوتر الذي سبق الاحتلال.

ثالثًا: حادثة المروحة واستغلال فرنسا للأزمة

في أبريل 1827، أثناء نقاش بين الداي حسين والقنصل الفرنسي دوفال حول قضية الديون، ردّ الأخير بلهجة اعتبرها الداي مهينة، فقام بضربه بالمروحة.

ورغم أنّ الحادثة لم تكن جسيمة في جوهرها، إلا أنّ فرنسا استغلتها كذريعة:

  • لفرض حصار بحري استمر ثلاث سنوات
  • ثم إطلاق حملة عسكرية واسعة عام 1830

كان الهدف الحقيقي—كما تؤكد الوثائق الفرنسية نفسها—الرغبة في توسيع النفوذ والبحث عن مكاسب اقتصادية وإسياسية.
وهكذا تحولت أزمة تجارية مرتبطة بعائلتي بكري وبوشناق إلى مبرر رسمي للاحتلال.

رابعًا: تقييم الدور التاريخي للعائلتين

1. بين التحليل السياسي والسرد الوطني

يختلف المؤرخون في تقييم دور العائلتين، ويمكن تلخيص المواقف كالآتي:

أ. وجهة النظر النقدية

ترى أنّ العائلتين:

  • لعبتا دور “الوكيل الاقتصادي” لفرنسا
  • ساهمتا في تعميق الأزمة المالية
  • استفادتا من امتيازات غير متوازنة
    وهذا جعل الجزائر عرضة لابتزاز سياسي فرنسي.

ب. وجهة النظر التحليلية الحديثة

تؤكد أنّ:

  • فرنسا كانت تسعى للاستعمار قبل أزمة الديون بوقت طويل
  • الدين كان مجرد أداة لتسريع التدخل
  • الدور الأكبر يعود للسياسة الفرنسية التوسعية

وبالتالي، لا يمكن اعتبار العائلتين “سببًا” للاحتلال، لكنّهما جزء من البنية الاقتصادية التي استُخدمت لتحقيقه.

خامسًا: مصير العائلتين بعد الاحتلال

بعد دخول الفرنسيين الجزائر:

  • فقدت العائلتان امتيازاتهما
  • تراجعت قوتهما المالية
  • هاجر كثير من أفرادها إلى أوروبا
  • وتمّ إلحاق بعض أفرادها بآليات الإدارة الاستعمارية الجديدة

وانتهى دورهما التاريخي بانتهاء مرحلة الدايات العثمانية.

تكشف دراسة عائلتي بكري وبوشناق أنّهما كانتا فاعلين اقتصاديين بارزين في الجزائر العثمانية، وأن دورهما في العلاقات التجارية مع فرنسا ساهم في إنشاء شبكة مالية معقدة. ورغم أن الأزمة المالية الجزائرية-الفرنسية مثّلت إحدى الذرائع التي استخدمتها فرنسا لغزو الجزائر، فإن المسؤولية الأساسية تعود إلى السياسات التوسعية الفرنسية، لا إلى العائلات التجارية المحلية.
وبذلك، تبقى هذه القضية مثالًا مهمًا على توظيف العلاقات التجارية في خدمة المشاريع الاستعمارية.


المراجع (صيغة APA)

Abun-Nasr, J. M. (1987). A History of the Maghrib in the Islamic Period. Cambridge University Press.

Boyer, P. (1964). L’Algérie avant 1830. Paris: Editions Sociales.

Dunwoodie, P. (2020). France and Algeria: A History of Decolonization and Transformation. Oxford University Press.

Julien, C. A. (1964). History of North Africa: Tunisia, Algeria, Morocco. London: Routledge & Kegan Paul.

Ruedy, J. (2005). Modern Algeria: The Origins and Development of a Nation. Indiana University Press.

Stora, B. (1991). Histoire de l’Algérie coloniale (1830–1954). Paris: La Découverte.

https://www.echoroukonline.com/%D8%B1%D9%88%D8%AA%D8%B4%D9%8A%D9%84%D8%AF-%D9%88%D8%A8%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%A8%D9%88%D8%B4%D9%86%D8%A7%D9%82-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%A2%D9%85%D8%B1%D8%AA-3-%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى