الاحتلال الفرنسي للجزائرمقلات

الأمير عبد القادر وصالح باي: قراءة تاريخية في مسار المقاومة الجزائرية

يؤمن موقع الأمير عبد القادر أن كتابة التاريخ ليست مجالًا للمقارنة أو المفاضلة بين الرموز الوطنية، بل مسؤولية أخلاقية تهدف إلى إنصاف كل بطل في سياقه الزمني ودوره التاريخي. وانطلاقًا من هذا المبدأ، فإن حديثنا المتواصل عن الأمير عبد القادر لا يعني بأي حال من الأحوال تقليلًا من مكانة أبطال آخرين، وفي مقدمتهم الشهيد والقائد العظيم صالح باي، الذي يحتل موقعًا راسخًا في ذاكرة المقاومة الجزائرية.

الأمير عبد القادر… قائد دولة ومشروع وطني متكامل

تتمحور رسالة هذه المنصة حول الأمير عبد القادر بوصفه مؤسس أول مشروع دولة جزائرية حديثة في القرن التاسع عشر، وهو ما يجعل التناول العلمي لشخصيته ضرورة معرفية. فقد أنشأ الأمير جيشًا منظمًا، ووضع إدارة مركزية، وسنّ القوانين، وأبرم المعاهدات الدولية، وقاد مقاومة طويلة الأمد ضد الاستعمار الفرنسي امتدت لأكثر من 17 سنة، وبلغ صداها أوروبا والعالم الإسلامي.

إن التركيز على هذه التجربة لا يُقصي غيرها، بل يكمّل الصورة التاريخية الشاملة للمقاومة الجزائرية عبر العصور.

صالح باي… المقاومة قبل الاحتلال ورجل السيادة

قبل الغزو الفرنسي بسنوات، برز صالح باي في الشرق الجزائري، خاصة في بايلك قسنطينة، كأحد أبرز رموز السيادة المحلية ومقاومة التغلغل الأجنبي.
فقد واجه محاولات التأثير الأوروبي المتزايدة – خاصة الفرنسية – وعمل على تحصين الإيالة سياسيًا وعسكريًا، رافضًا الخضوع للإملاءات الخارجية.

ومن أبرز مظاهر مقاومته:

  • رفض التدخل الفرنسي المبكر في شؤون بايلك قسنطينة، ومحاولته الحفاظ على استقلال القرار المحلي.
  • تقوية الجبهة الداخلية سياسيًا وعسكريًا، بما يضمن استقرار الإقليم في زمن كانت فيه المنطقة عرضة للمؤامرات الدولية.
  • مقاومة الفتن الداخلية ومحاولات إضعاف السلطة المحلية، وهو ما جعله عرضة للاستهداف السياسي، لينتهي مساره بالشهادة.

لقد كانت مقاومة صالح باي جزءًا من سياق تاريخي سابق للاحتلال المباشر، يهدف إلى حماية الأرض والسيادة، وهو ما يجعل دوره مكملًا لمسار المقاومة الجزائرية وليس منفصلًا عنها.

اختلاف السياقات… ووحدة الهدف

من الخطأ التاريخي وضع الأمير عبد القادر وصالح باي في ميزان مقارنة مباشر، فلكل منهما سياقه الزمني، وأدواته، وطبيعة عدوه.
صالح باي واجه تحديات مرحلة ما قبل الاحتلال، وسعى إلى حماية السيادة المحلية، بينما واجه الأمير عبد القادر استعمارًا عسكريًا مباشرًا، فكان مطالبًا ببناء دولة ومؤسسات ومقاومة طويلة النفس.

منصة متخصصة… لا ذاكرة انتقائية

إن تخصّص موقع الأمير عبد القادر في هذه الشخصية التاريخية لا يعني إقصاء أو تجاهل بقية الرموز الوطنية، بل هو خيار معرفي يهدف إلى التعمّق لا الإلغاء، وإلى التحليل لا المنافسة.
فالتاريخ الجزائري واسع، غني، ويتّسع لكل أبطاله، من صالح باي إلى الأمير عبد القادر، ومن مقاومات محلية إلى مشاريع وطنية كبرى.

التاريخ مسؤولية مشتركة

إن تكريم الأمير عبد القادر لا ينتقص من صالح باي، كما أن الاعتراف ببطولة صالح باي لا يقلل من مكانة الأمير. كلاهما جزء من سلسلة واحدة من النضال الجزائري، حلقاتها مختلفة، لكن هدفها واحد: حماية الأرض والإنسان والكرامة.

ومن هذا المنطلق، يواصل موقع الأمير عبد القادر رسالته في خدمة الذاكرة الوطنية، وفاءً للحقيقة التاريخية، وإنصافًا لكل من صنع مجد الجزائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى